يحكــــــــــي أن ...

الأربعاء أغسطس 12, 2009 4:26 pm

يحكـــــــــي أن...

صابـــــر الطـــيب ... رجل بلا ماضي ولا حاضر ولا ينتظر المستقبل ...
هجره والداه يوم ولادته .. لا يذكر هل تربي ببيت الجيران او عند بعض الاقارب .. ربما عند باب المسجد او في دار للايتام.. هل كان يوما طفلا او انه ولد كبيرا يسعي ..لا يذكر صابر ولا يهتم .. حتي اسمه لا يدري انه له ..ولا يعرف من اطلقه عليه ..
جاءه الشيطان يوما واخذه من مرفقه :
< ياصابر تعالي اجعلك ملكا علي الارض..>
تلفت صابر حوله ومضي لا يلوي علي شيء.. عمل بائعا ذات مره ... اذاه بعض الشباب وارادوا بضاعته مجانا ...
صابر كان قويا كالثور .. ضخما كالجبل ... ترك العربة ومشي ...؟ والاولاد يلعبون بأشيائه ويتقاسمون بضاعته..
عمل اجيرا لدي مكاري .. مرض الحمار يوما .. وقام صابر بدوره .. كم آلمه سوط المكاري وعصاه .. وكم غصته اللقمة علي طوالة الحمار ... شفي الحمار ومات العربجي .. نظر صابر للحمار والعربه .. ثم تركهم ومضي..
امسكه بعض الجند : < انت مطلوب يا صابر ... للتجنيد ...؟ >
لم يفهم لكنه مضي معهم .. لم يعطوه سلاحا .. بل اعطوه ممسحة ومكنسه ... يعمل طول اليوم ثم ينام علي رصيف بيت الباشا.. يتحسس ظهره ويداه من الالم....
ذهب الباشا .. وجاءت الثورة .. لم يندهش صابر .. بل زرع الارض .. ورواها بعرقه ... جاءه رجال اشداء ضربوه بقسوة .. : < مالك والارض يا صابر.. لماذا تسطو علي مال الدوله ..؟ >
لجأ صابر الي زاوية مسجد ونام مرهقا ..
في الصباح جاءه شاب انيق واعطاه اوراقا كثيره .. < انهض يا صابر وقم بدورك في النضال ... >
صابر الطيب لا يقرأ ولا يكتب ولا يدري ما تحوي الاوراق ..
امسكه رجل يحمل نجوما كثيرة علي كتفه : < يا صابر ..انت تدبر لقلب نظام الحكم ..؟ >
واكتفي صاحب النجوم ...... واعتقله
اياما كثيرة مضت ... حين علقوه من يديه ... بكي ...
وحين علقوه من قدميه ... نام ..
صابر في نومه مثل يقظته لا تختلف المشاهد كثيرا ...
لكنه هذه المره رأي شيئا عجيبا .....كأنه في قاعة محكمه .. ارتعب لضخامتها وشموخها ....
أناس كثيرون يمينا ويسارا ... ورجل اشيب في مواجهته ...اعتدل صابر خوفا وهيبه ...
احد الجالسين يسارا : < سيدي.. سيدي صابر لا يستحق نعمة الحياة
لقد تجاهل وجحد كل ما وهبه الله
لديه القوة والصحة والعقل والارادة
اساء تقدير نعمة الايمان ..
ولم يتمرد يوما علي الظلم والاستبداد
سكت عن الحق كشيطان اخرس ..
وما عليه ان ابي وانكر وتمرد ..
سيدي نري انه لا يستحق نعمة الحياة ..
بل هو عبئ علي الحياة ..>

احد الجالسين يمينا : < سيدي .. نري ان الرحمة به واجبه ..
لقد رأي في دنياه ما كفاه ..
ان مثله لا يزيد عن شجرة او زهرة ..
داسها الناس بالاقدام ...
فما ضر احدا ولا سبب ألما .. ولا ارتكب اثما ...>
الاشيب : < نحن لا نقبل بالضعفاء ..
نعم الله عليه عديده ... جحدها وانكرها .. وبئست الجريمة ..
نحكم عليك يا صابر ... بالموت بأبشع وسيلة .. >

صابر ينظر للوجوه ولا يفهم .. ؟

صيحة من اخر القاعة ... < سيدي ..
نقبل حكمك ونرضاه ...
ولكن أليس عدلا قبل الموت
أن نحقق لصابر رغبته الاخيرة ...>
الاشيب : < نعم .. نعم ..
حق له علينا وقد وجب ..
يا صابر .. اطلب وتمني ..
فليس لك بعدها حياة ..>

صابـــر الطــيب يتلفت حوله .. ليتأكد انه المعني بالكلام ..وانه لاول مرة مأذون بالكلام ...

صابــــر الطـــــيب يفتح فمه ويقـــــول بارتباك :
< نفسي .... نفسي في ... طبق فول ورغيف عيش ... قصدي رغيفين ...................؟

ثم صحـــــي من نومــــــــه ســـــــعيدا ......

تمـــــت .......